قصيدةٌ في مدح رسول الله ﷺ للإمام الشافعي رحمه الله تعالى | أبو سفيان محمد راشد المدني
من مثلكم لرسول الله (ﷺ) ينتسب
من مثلكم لرسول الله (ﷺ) ينتسبُ *** ليت الملوك لها من جدّكم نسبُ
ما للسلاطين أحسابٌ بجانبكم *** هذا هو الشرف المعروف والحسبُ
أصل هو الجوهر المكنون ما لعبت *** به الأكفّ ولا حاقت به الريبُ
مرّت عليه عصور لا عداد لها *** وليس يصدأ إذ لا يصدأ الذهبُ
خير النبيين لم يذكر على شفة *** إلا وصلّت عليه العجم والعربُ
خير النبيين لم يقرن به أحدٌ *** وهكذا الشمس لم تقرن بها الشُّهُبُ
خير النبيين لم تحصر فضائله *** مهما تصدّت لها الأسفار والكتبُ
الماءُ فاضَ زلالاً من أصابعه *** أروى الجيوش وجوف الجيش يلتهبُ
والظبي أقبل بالشكوى يخاطبه *** والصخر قد صار منه الماء ينسكبُ
واهتزّت الأرض إجلالاً لمولده *** شبيهة بعروس هزّها الطربُ
نبوّةٌ ما أتاها باطلٌ أبدًا *** ولا تملكها في حالة كذبُ
نبوّةٌ كلها بالصدق ناطقة *** بالعدل قائمة، آياتها عجبُ
قد طاردتها قريشٌ وهي قائمة *** وحاربوها ولكن كلهم غُلبوا
يا من يكون شفيعي عند خالقه *** في ساعة الحشر إن وافاني الطلبُ
إني إليك بأبناء لك انتسبوا *** مستشفعٌ فلعلّي منك أقتربُ
ساداتنا الغرّ من أبناء فاطمة *** طوبى لمن كان للزهراء ينتسبُ
من نسل فاطمة أنعم بفاطمة *** من أجل فاطمة قد شرف النسبُ
*لمحة موجزة من سيرة الإمام الشافعي رحمه الله تعالى*
كان الإمام الفقيه الشهير "أبو عبد الله محمد بن إدريس الشافعي رحمه الله تعالى" من أوعية العلم والفضيلة، ومن الأئمة الأربعة الأعلام ومن أصحاب المذاهب المتبوعة المشتهرة، وكان مجتهدًا، فقيهًا، محدّثًا، عالِمًا كبيرًا من قريش، ومجدّد الدين على رأس المائتين، بارعًا في علوم شتّى، نحويًّا، لغويًّا متمكّنًا، وكان واسع الحفظ، حافظًا للحديث، أستاذًا في العربية، وديوانه المشتهر بين الناس مما يدلّ على تبحّر علمه وحسن كلامه وألفاظه، وبالجملة كان الإمام الشافعي رحمه الله تعالى مستجمعًا للخصال الحسنة في نفسه، فلما كانت رحلته رحمه الله تعالى من الدنيا إلى البارئ تعالى في شهر رجب المرجب ولمناسبة شهر وفاته اخترنا لكم قصيدته الشهيرة مع ذكر طرف من حياته وسيرته العطرة الطيبة القيمة.
اسمه ونسبه:
أبو عبد الله محمد بن إدريس بن العباس بن عثمان بن شافع بن السائب بن عبيد بن عبد يزيد بن هاشم بن المطلب بن عبد مناف.
يقال له الشافعى نسبة إلى "شافع بن السائب بن عبيد" هو أحد أجداد الإمام الشافعي رحمه الله تعالى ولقي سيدنا رسول الله ﷺ وهو مترعرع، وكان أبو شافع (أَيْ: السائب) قد أسلم يوم بدر، ونسبُ الإمام الشافعي رحمه الله تعالى يجتمع مع نسب رسول الله ﷺ فى "عبد مناف" وهو ثالث أجداد النبىّ ﷺ وتاسع أجداد الإمام الشافعي رحمه الله تعالى، ويكون الإمام الشافعي رحمه الله تعالى ابنَ عمّ النبي ﷺ؛ لأن المطّلب عمّ رسول الله ﷺ، وكونه "مطّلبيًّا" من جهة أبيه، و"هاشميًّا" من جهة أمهات أجداده
الشافعي الأبطحي محمد *** إرث النبوة وابن عمّ محمد ﷺ
مولده:
عندما ذهب عن الدنيا جبل العلم والمعرفة، سراج الأمة سيدنا الإمام الأعظم النعمان بن ثابت رضي الله تعالى عنه، فبعده في سنة رحلته أو يوم رحلته رضي الله تعالى عنه بدَا على الأرض كوكب علم جديد، مجدّد المئتين وهو الإمام الجليل محمد بن إدريس الشافعي رحمه الله تعالى؛ لأن السماء لم ترض أن تحرم الإسلام ذلك الإمام حتى تعطيه هذا الإمام، واختلف الناس في البلد الذي أشرق بولادة الإمام الشافعي رحمه الله تعالى، فعلى الراجح ولد رحمه الله تعالى عام 150 هـ بغزّة من بلاد الشام
نجوم سماءٍ كلما غار كوكب***بدا كوكب تأوي إليه كواكبه
نشأته وأسفاره للعلم:
لما كان للإمام الشافعي رحمه الله من العمر سنتين مات أبوه، فنشأ يتيماً في حِجر أمّه فخافت عليه الضيعة فحملته وسارت إلى مكة، فنشأ بها، وأقبل على الرمي حتى فاق فيه الأقران، ثم أقبل على العربية والشرع، فبرع في ذلك وتقدم ثم حبّب إليه الفقه فساد أهل زمانه، وكان رحمه الله تعالى قد حفظ القرآن حين كان ابن 7 سنين، وحفظ الموطأ حين كان له 10 سنين من عمره على مسلم بن خالد الزنجي (مفتي مكة) رحمه الله تعالى، وأذن له في الإفتاء وهو ابن 15 أو 18 سنة، وأخذ عنه علم الحجازيين، وعني باللغة والشعر، ثم لازم عالم المدينة إمام دار الهجرة مالك بن أنس رحمه الله تعالى بالمدينة، وتفقّه به عن مشايخه ثم أقام في هذيل نحواً من 10 أو 20 سنة، فتعلّم منهم لغات العرب وفصاحتها، وحفظ منهم أشعارهم حتى صار حجة ودليلا في أشعار هذيل، وسمع الحديث على جماعة من المشايخ والأئمة، فاجتمع هو والإمام محمد بن الحسن رحمهما الله تعالى عند الخليفة هارون الرشيد رحمه الله تعالى، وأنزله الخليفة هارون الرشيد رحمه الله تعالى عند الإمام محمد رحمه الله تعالى فأكرمه الإمام محمد رحمه الله تعالى، وكتب عنه الإمام الشافعي رحمه الله تعالى وقرَ بعير ، وتأثّر بكلامه وفقهه وذكائه وكمال علمه، فأنفق على كتبه قريبَ ستين ديناراً وستين درهماً، وأخذ يدرس المذهب الحنفي على العلماء الكبار أيضا، ثم عاد رحمه الله تعالى إلى مكة، ثم سافر إلى بغداد مرتين سنة 195 هـ، وسنة 198 هـ وحدّث بها وسمّي فيها بـ"ناصر الحديث"، فاجتمع عليه علماؤها، وأخذوا عنه وقد ألّف فيها كتابه الشهير "كتاب الرسالة"، ثم خرج إلى مصر فأقام بها إلى آخر العمر، وصنّف فيها كتبه الجديدة منها: كتابه "الأم"؛ لأنها من رواية الربيع بن سليمان رحمه الله تعالى وهو مصريّ، ومن زعم أن هذا الكتاب (أي: الأم) من القديم، فهذا بعيد وعجيب من مثله، والله أعلم، وتفقّه بالإمام الشافعي رحمه الله تعالى جماعة، وروى عنه خلق كثير
قيل فيه شعر رائع وفي علمه رحمه الله تعالى من ذلك:
فمن يك علم الشافعي إمامه *** فمرتعه في ساحة العلم واسع
مؤلفاته:
وجّه الإمام الشافعي رحمه الله تعالى اهتمامه البالغ إلى التصنيف والتأليف في السفر والحضر، وتصانيفه في علوم شتى وموضوعات كثيرة، ودوّن رحمه الله تعالى العلم في أصول الفقه وفروعه، وبعُد صيته وتكاثر عليه الطلبة، وكان رحمه الله تعالى قد جزّأ الليل: ثلثه الأول ليكتب فيه، والثاني يصلّي، والثالث ينام، وبيّن في كتبه نُكَتًا عجيبًا وألفاظًا غريبة حتى كان يقول الشيخ الربيع بن سليمان رحمه الله تعالى: لو أنه ألّف هذه الكتب على عربيته التي كان يتكلم بها معنا في المناظرة لم يُقْدَر على قراءة كتبه لفصاحته وغرائب ألفاظه.
يحكي عن بعض شيوخ أبي الوليد حسان بن محمد النيسابوري رحمه الله تعالى عن المدني رحمه الله تعالى قال: قرأت كتاب الرسالة للشافعي رحمه الله تعالى خمسمائة مرة ما من مرة منها إلا واستفدتُّ فائدة جديدة لم أستفدها في الأخرى.
قال الإمام الشافعي حول كتبه: كنت أكتب في الأكتاف والعظام، وكنت أذهب إلى الديوان فأستوهب الظهور فأكتب فيها
وإن تقل: "لقد كان رحمه الله تعالى رجلاً إذا ساعدته الكتب كان حسن التصنيف، وحسْن ألفاظه بسبب قدرته على العربية فلستَ مبالغًا فيها.
ومن كتبه:
*الأمالي الكبرى *الإملاء الصغير *مختصر البويطي *مختصر المزني *مختصر الربيع *كتاب الرسالة *الأُمّ
فلسفة أشعاره:
يكثر الشعراء من نظم أبيات يضمونها نظرة فلسفية في الحياة، وهذا الضرب من النظم قد أطلق عليه اسم "الأدب" على وجه التخصيص، وقد تتخذ هذه الأشعار صورة النصيحة والإرشاد وهذا الضرب كثير في الشعر العربي.
النوع الثاني: أن يعمد الشاعر إلى تقرير الحقيقة المجردة كقول أبي الطيب، وهو من أكثر الشعراء نظما في هذا الباب، وليس في أبواب الشعر باب يكثر الاستشهاد به كباب "الأدب".
ومن هنا فإن "أشعار الإمام الشافعي رحمه الله تعالى" كنز من كنوز الأدب ونبع صاف يستقى منه الأبناء والآباء دروس الحكمة وألوان التجارب الحياتية يقدّمها الإمام كالشمس للدنيا وكالعافية للناس.
من يتتبع ديوانه وأشعاره يجد أنه كان يميل إلى المقطعات دون القصائد، ولقد امتلأت به المراجع والموسوعات اللغوية والأدبية، وتناقلها رواد الحكمة جيلاً بعد جيل
وكيف لا يأتي بهذه العجائب والحكم والنصائح؟
إن السرّ يرجع في فصاحة الإمام الشافعي رحمه الله تعالى إلى أنه أقام بالبادية فلُقّن بـ"اللسان العربي"، حتى قال عن نفسه:
لولا الشـــــــــــعر بالعـــــــــلماء يُزْرِي *** لـــــــــــكنت أشعر من لبيد
وأشجـــــع في الــــــــــوغى من كل ليث***وآل مهلّب وبني يزيد
وعن فضل العلم وأهميته في رفع مكانة الإنسان يقول رحمه الله تعالى:
رأيتُ العلم صاحبه كريم***ولو ولــــــــــدتْـــــــــــه آباء لــــــــــــئام
وليس يــــــزال يرفـــــــــــعه إلى***أن يعظّـــــــــــم أمره القوم الكـــــــــرام
ويقول رحمه الله تعالى أيضًا:
العلم من فضله لمن خدمه***أن يجعل الناس كلهم خدمه
ثناء العلماء عليه:
قال الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى عنه: إن الله تعالى يقيض للناس في رأس كل مائة سنة من يعلمهم السنن، وينفي عن رسول الله ﷺ الكذبَ، فنظرنا فإذا في رأس المائة عمر بن عبد العزيز رحمه الله تعالى، وفي رأس المائتين الشافعي رحمه الله تعالى
قال يحيى بن أكثم رحمه الله تعالى: كان رجلاً قرشيَ العقل والفهم والذهن، صافي العقل والفهم والدماغ، سريع الإصابة
قال أبو الوليد بن أبي الجارود رحمه الله تعالى: ما رأيتُ أحدًا إلا وكتبه أكثر من مشاهدته إلا الشافعي رحمه الله تعالى، فإن لسانه كان أكثر من كتابه
وفاته:
قال الإمام أبو بكر أحمد الخطيب البغدادي رحمه الله تعالى: لو استوفينا مناقب الشافعي رحمه الله تعالى، وأخباره لاشتملت على عدة أجزاء، وقال الشاعر في حق أمثال هؤلاء العلماء العظام:
الأرض تحيا إذا ما عاش عالمها***متى يمت عالم منها يمت طرفُ
كالأرض تحيا إذا ما الغيث حلّ بها***وإن أبى عاد في أكنافها التلف
وقد انتقل إلى رحمة الله تعالى وصعدت روحه إلى البارئ تعالى ليلة الخميس أو ليلة الجمعة أو يوم الجمعة آخر يوم من رجب سنة 204 هـ، ولما مات رثاه خلق كثير، ودفن بعد العصر يوم الجمعة بالقرافة الصغرى، وقبره مشهور ويزار، بالقرب من المقطم في مصر، والدعاء عنده مستجاب
سلام على قبر تضمن جسمَه *** وجادت عليه المدجنات الهوامع
#مركز_الدعوة_الاسلامية
#مركز_الدعوة_الإسلامية
#الدعوة_الإسلامية
#مجلة_نفحات_المدينة
#نفحات_المدينة
شكرلوجدك معنا