من أهم الأحداث الواردة في شهر جمادى الآخرة ورجب وشعبان | أبو جواد محمد سليمان الباروي
حدثت في هذه الأشهر أحداث ووقائع إسلامية كثيرة أحببنا أن نذكر بعضها هنا بنية الإفادة والاستفادة منها، ونسأل الله تعالى التوفيق والسداد وقراءة العبر والعظات من خلالها، ومن تلك الأحداث:
شهر جمادى الآخرة
وفاة سيدنا أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه:
كانت وفاته رضي الله عنه في السنة الثالثة عشرة من الهجرة في ليلة الثلاثاء لسبع بقين من جمادى الآخرة، توفي عن ثلاث وستين من عمره.
وكانت مدة خلافته سنتين وثلاثة أشهر وثلاثة أيام، وقبل وفاة سيدنا أبي بكر رضي الله عنه خشي أن يختلف المسلمون فيمن ينصب بعده، وأهمّه هذا الأمر، فشاور أثناء مرضه طائفة من الصحابة رضي الله تعالى عنهم، ولكنهم جميعًا تركوا الأمر إليه، فارتأى أن يكون الخليفة من بعده سيدنا عمر رضي الله عنه وهو أول من عهد بالخلافة من بعده إلى فلان من الناس، وعاهد سيدنا عمر رضي الله تعالى عنه على أن الناس من بعده سيبايعونه، خرج سيدنا أبو بكر رضي الله تعالى عنه على الناس وخاطب فيهم وقال:" أنه لم يألُ جهدًا على من يستخلف من بعده، وأنه رأى أن يستخلف عمر رضي الله تعالى عنه، فإن رأوا ذلك فليبايعوه" فإذا سيدنا عمر رضي الله تعالى عنه أصبح خليفة على أساس البيعة، بعد تزكية من سيدنا أبي بكر رضي الله تعالى عنه
هناك وصية رائعة أوصى بها سيدنا أبو بكر لسيدنا عمر رضي الله تعالى عنهما يقول فيها: إني موصيك بوصِية إن حفظتها: "إن لله حقًّا في الليل لا يقبله في النهار وإن لله حقًّا في النهار لا يقبله في الليل، وأنه لا يقبل نافلة حتى تؤدّى الفريضة، وإنما خفت موازين من خفت موازينه يوم القيامة باتباعهم الباطل في الدنيا وخفّته عليهم وحقّ لميزان لا يوضع فيه إلا الباطل أن يكون خفيفًا، وإنما ثقلت موازين من ثقلت موازينه يوم القيامة باتِّباعهم الحق في الدنيا وثقَله عليهم، وحقّ لميزان لا يوضع فيه يوم القيامة إلا الحقّ أن يكون ثقيلاً، ألم تر! أن الله ذكر أهل الجنة بصالح ما عملوا وتجاوز عن سيئاتهم فيقول القائل: ألا بلغ هؤلاء، وذكر أهل النار بسيئ ما عملوا وردّ عليهم صالح ما عملوا فيقول القائل: أنا خير من هؤلاء، وذكر آية الرحمة وآية العذاب فيكون المؤمن راغبًا راهبًا ولا يتمنّى على الله غير الحقّ ولا يلقي بيديه إلى التهلكة، فإن أنت حفظت قولي هذا فلا يكن غائب أحبّ إليك من الموت ولا بدّ لك منه وإن أنت ضيّعت قولي هذا فلا يكن غائب أبغض إليك منه ولن تعجزه
خسوف القمر:
في السنة الخامسة من الهجرة النبوية انخسف القمر في جمادى الآخرة، وجعل اليهود يضربون بالطساس، ويقولون: سحر القمر فصلى ﷺ بالصحابة صلاة الخسوف حتى انجلى القمر"
وفي "رواية سيدتنا عائشة رضي الله تعالى عنها" في "الموطأ" و"الصحيحين" من طريقها رضي الله تعالى عنها:
"خسفت الشمس في عهد رسول الله ﷺ، فصلّى رسول الله ﷺ بالناس"
فذكرت الحديث في صلاة الخسوف، (وفيه):
"ثم انصرف وقد انجلت الشمس، فخطب الناس فحمد اللهَ وأثنى عليه، ثم قال: "إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا يخسفان لموت أحد ولا لحياته، فإذا رأيتم ذلك فادعوا الله وكبّروا وصلّوا وتصدّقوا" ثم قال: "يا أمّة محمد! واللهِ! ما من أحدٍ أغير من الله أن يزني عبده أو تزني أمته، واللهِ! لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيرًا"
شهر رجب
إسلام النجاشي والصلاة عليه:
قال ابن إسحاق عن جعفر بن محمد، عن أبيه قال: اجتمعت الحبشة، فقالوا للنجاشي: إنك قد فارقتَ دينَنا، وخرجوا عليه قال: فأرسل إلى جعفر وأصحابه فَهَيَّأَ سُفنًا، وقال: اركبوا فيها، وكونوا كما أنتم، فإن هُزمتُ فامضوا حتى تلحقوا بحيث شئتم، وإن ظفرتُ فاثبتوا، ثم عمد إلى كتاب فكتب فيه هو يشهد "أن لا إله إلا الله وأن محمدا ﷺ عبده ورسوله"، ويشهد "أن عيسى ابن مريم (عليه السلام ورضي الله تعالى عنها) عبده ورسوله وروحه وكلمته ألقاها إلى مريم (رضي الله تعالى عنها)"، ثم جعله في قَبَائه عند المَنْكِب الأيمن، وخرج إلى الحبشة، وصفّوا له، فقال: يا معشر الحبشة! ألستُ أحقّ الناس بكم؟ قالوا: بلى، قال: فكيف رأيتم سيرتي فيكم؟ قالوا: خير سيرة، قال: فما لكم؟ قالوا: فارقتَ دينَنا، وزعمت أن عيسى (عليه السلام) عبدٌ، قال: فما تقولون أنتم في عيسى (عليه السلام)؟ قالوا: نقول: هو ابن الله، فقال النجاشي، ووضع يده على صدره على قَبَائه: هو يشهد أن عيسى ابن مريم عليه السلام لم يزد على هذا شيئًا، وإنما يعني ما كتب، فرضوا وانصرفوا، فبلغ ذلك النبي ﷺ فلما مات النجاشي صلّى عليه واستغفر له، وكان موته في رجب من سنة تسع، ونعاه رسول الله ﷺ إلى الناس في اليوم الذي مات فيه وصلّى عليه بالبقيع، رفع إليه سريره بأرض الحبشة حتى رآه وهو بالمدينة فصلّى عليه"
سرية سيدنا أبى عبيدة بن الجراح رضي الله تعالى عنه إلى "سيف البحر":
سمّها الإمام البخاري رحمه الله تعالى غزوة سيف البحر وتسمّى بـ"سرية الخبط"، وكانت في رجب سنة ثمان إلى حيّ من جُهَينة بالقبلية مما يلى ساحل البحر وبينها وبين المدينة خمس ليال: يروي الإمام البخاري رحمه الله تعالى وغيره عن جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنه قال: بعثنا رسول الله ﷺ ثلاث مائة راكب، أميرنا أبو عبيدة بن الجراح رضي الله تعالى عنه نرصد عِيْرَ قريش، نحمل زادنا على رقابنا، فأقمنا بالساحل "نصف شهر"
فأصابنا جوع شديد ففنيَ زادنا حتى كان الرجل يأكل تمرة تمرة حتى أكلنا الخبط، فسمي ذلك الجيش "جيش الخبط"، وأخرج الله لهم من البحر دابّة تسمّى "العنبر"، فأكلنا منه نصف شهر، وادّهنّا من وَدَكه حتى ثابت إلينا أجسامنا فأكلوا منها، وتزوّدوا، ورجعوا ولم يلقوا كيدًا،
زاد في رواية: فلمّا قدمنا المدينة ذكرنا ذلك للنبي ﷺ فقال:
كلوا، رزقًا أخرجه الله، أطعمونا إن كان معكم، فأتاه بعضهم فأكله"
شهر شعبان
مولد سيدنا الحسين بن علي رضي الله تعالى عنهما:
سيدنا الحسين بن علي رضي الله عنهما سيد شباب أهل الجنة، ولد لخمسٍ خلوْن من شعبان سنة أربع، وعقّ عنه سيدنا رسول الله ﷺ كما عقّ عن أخيه، وسمّاه "حُسَينًا"، وكان سيدنا علي رضي الله تعالى عنه سمّاه "حربًا" كما سمّى أخاه رضي الله عنه"
وقد قال الرسول ﷺ فيه وفي أخيه سيدنا الحسن رضي الله تعالى عنهما:
هما ريحانتاي من الدنيا، وقد روي أن رسول الله ﷺ كان يشمّهما ويقبّلهما.
وقال ابن الدراع: لم يكن بينهما إلا مدّة حمل البطن وكان مدّة حمل البطن ستة أشهر وقال: لم يولد مولود قطّ لستة أشهر فعاش إلاّ سيدنا الحسين رضي الله تعالى عنه وسيدنا عيسى ابن مريم عليه السلام، وفى رواية: إلا سيدنا الحسين رضي الله تعالى عنه ويحيى بن زكريا عليه السلام"
غزوة المريسيع:
في شهر شعبان سنة ست قصد بنو المصطلق من خزاعة على ماء لهم، قريب من الفرع، فقتل منهم رجالهم وسباهم، وفي المغازي (1/407) وقتل عشرة منهم وأسر سائرهم، وسبى رسول الله ﷺ الرجال والنساء والذرّيّة، وكان فيمن سبى جويرية بنت الحارث بن أبي ضرار، تزوّجها رسول الله ﷺ، وجعل صَداقها أربعين أسيرًا من قومها.
في هذه الغزوة سقط عقد سيدتنا عائشة رضي الله تعالى عنها، فأقام رسول الله ﷺ بالناس على التماسه، وليسوا على ماء وليس معهم ماء، فنزلت آية التيمّم، فقال سيدنا أسيد بن حضير رضي الله تعالى عنه: ما هي بأوّل بركتكم يا آل أبي بكر! فبعثوا العير التي كانت عليه، فوجدوا العقد تحته، وبعث رسول الله ﷺ أبا نملة الطائي بشيرًا إلى المدينة بفتح المريسيع"
في الختام أيها القارئ العزيز! هذه بعض الأحداث والوقائع التي حدثت في تاريخ الإسلام، ومن خلالها يستطيع الإنسان أن يتعلّم من حياة هؤلاء الأعلام، وتاريخنا حافلاً بالأحداث والوقائع العظام التي تعيد للأمة شرفها، ومجدها، وسؤددها، وينبغي أن تقرأ الأمة هذا التاريخ قراءة واقعية لتقتدي به فتفوز في الدارين.
شكرلوجدك معنا