غزوة بني سليم بعدَ الانتصار الهائل الذي أحرزَه المسلمون على قريشٍ في غزوة بدر صاحبة المكانة الدينية والعسكرية والاجتماعية في شبه الجزيرة العربية تَنامى حقدها على المسلمين بعد أن اهتزّت مكانتها في عيون القبائل العربية، فعمدت إلى تحريضها على غزو المدينة والقضاء على الإسلام، وقد تقاطَع هذا المطلب مع رغبة تلك القبائل في التخلص من الإسلام وقوته المتنامية في المدينة والتي ستعيق أعمالهم في السلب والنهب كما كان منتشرًا قبل الإسلام، ومن تلك القبائل الحريصة على ذلك قبيلة بني سُلَيْم القاطنة في الطريق بين مكة والمدينة وبمعاونةٍ من قبيلة غطفان، وهذا المقال يسلط الضوء على أحداث غزوة بني سليم. أسباب غزوة بني سليم فبعد انتهاء غزوة بدرٍ وعودة المسلمين إلى المدينة المنورة نقلت العيون للنبي -صلى الله عليه وسلم- أن بني سليم وغطفان حلفاء قريش يعُدّون العُدة لغزو المدينة المنورة ومباغتة المسلمين فيها انتقامًا لكرامتهم التي هُدرت في بدرٍ ولأسيادهم الذين قُتلوا ودُفنوا في قليبٍ واحدٍ، وأنهم قد تجمّعوا في موضعٍ يقال له قرقرة الكُدر وهو بئر ماءٍ لبني سليم. [١][٢] أهداف غزوة بني سليم كانت حِنكة الرسول -صلى الله عليه وسلم- في غزواته وحروبه تقتضي منع المعتدين من الوصول إلى المدينة المنورة ومباغتتهم في أماكن تجمعهم وهذا ما حصل في هذه الغزوة بعد أن علِم من عيونه المنتشرة بين مكة والمدينة أن قبيلة بني سليم وغطفان جمعوا رجالهم في الكُدر لغزو المدينة، إلى جانب ذلك لتعزيز الرهبة في قلوب المشركين من المسلمين بعد نصر غزوة بدرٍ كي لا يعتقدوا هؤلاء أنه مجرد نصرٍ عابرٍ. [٣] موقع غزوة بني سليم وتاريخها وقعت غزوة بني سليم -بضمِّ السين وفَتح اللام- بعد انتصار المسلمين في غزوة بدرٍ بسبعة أيامٍ وتحديدًا بحسب ترجيح المؤرخين في اليوم الثاني من شهر شوال -الشهر العاشر في التقويم الهجري- من السنة الثانية للهجرة، في موضعٍ ماءٍ يُقال له الكُدر أو قرقرة الكُدر في بلاد بني عامر بن صعصعة في الجهة الجنوبية الشرقية من المدينة المنورة - والقرقرة هي الأرض الملساء أما الكُدر فهو لون الكُدرة في طيور تلك المنطقة-، لذا يُطلق على هذه الغزوة في كُتب السير والتاريخ اسم غزوة الكُدر أو غزوة قرقرة الكُدر أيضًا. [٤][٣] أحداث غزوة بني سليم لم تَكَدْ معركة بدرٍ تضع أوزارها ويعود المسلمون إلى المدينة منتصرين حتى بدأ الرسول -صلى الله عليه وسلم- بالتأهب للخروج للقاء تجمُّع قبيلتي بني سليم وغطفان عند بئر ماءٍ لهم يُقال له قرقرة الكُدر بعد أن أعدوا العُدة لحرب المسلمين، فجمع الرسول -صلى الله عليه وسلم- جيشًا قوامه مائتا مقاتلٍ من الصحابة وسار بهم نحو ديار بني سليم وغطفان، وقد استعمل على المدينة المنورة سباعَ بن عرفطة وقيل عبد الله بن أم مكتوم -رضي الله عنهما-، وقيل كلاهما فسباعٌ -رضي الله عنه- للقضاء والحكم بين الناس وابن أم مكتوم -رضي الله عنه- للصلاة في الناس كونه ضريرًا فلا يصح أن يقضي في الخصومة بين الناس. سار النبيّ -صلى الله عليه وسلم- نحو قرقرة الكُدر بعد أن عقد اللواء لعلي بن أبي طالب -رضي الله عنه- لكنه عندما وصل إلى موضع تجمُّع بني سليم وغطفان لم يجد أحدًا، وعندما سمعوا بخروج النبيّ -صلى الله عليه وسلم- لقتالهم فرّوا إلى رؤوس الجبال؛ فأرسل النبي -عليه الصلاة والسلام- عددًا من أصحابه لتمشيط المنطقة والتأكد من خلوّها من الأعداء المتربصين بالمسلمين فلم يجدوا أحدًا. [٣] نتائج غزوة بني سليم انتهتْ غزوة بني سليم دون وقوع قتالٍ بين المسلمين من ناحيةٍ وتحالف قبيلتيْ سُليم وغطفان من ناحيةٍ أخرى بسبب حالة الهلع والرعب التي انتابتهم بعد عِلمهم بخروج الرسول -صلى الله عليه وسلم- بجيشه لقتالهم في عُقر دارهم حيث فروا إلى رؤوس الجبال مخلفين وراءهم في بطن الوادي -مكان تجمعهم- خمسمائة بعيرٍ فساقها الصحابة- رضوان الله عليهم- الذين أرسلهم في أثر محاربي بني سُليم وغطفان للنبيّ -صلى الله عليه وسلم- فقسّمها بين أصحابه، فكان نصيب كلّ رجلٍ بعيرين بعد إخراج خُمْسِه -أي خُمس الرسول الكريم في غنيمة الحرب-، وكان من ضمن نصيب النبيّ الكريم صبيًّا يُدعى يسارًا فأعتقه بعد أن رآه يصلي، وقد أسلم وحَسُن إسلامه وتعلَّم الصلاة في أسره. عاد الرسول -صلى الله عليه وسلم- بجيشه دون قتالٍ إلى المدينة المنورة بعد أن قضى في موضع الكُدر ثلاثة أيامٍ علّ أحدًا من مقاتلي سُليم وغطفان يعود للقتال لكن لم يظهر أحد، وقد أُطلق على هذه الواقعة اسم غزوةٍ على الرغم من عدم وقوع قتالٍ بين الطرفيْن؛ نظرًا لأن مفهوم الغزوة في الإسلام هي كل خروجٍ للنبي -صلى الله عليه وسلم- بجيشٍ مهما كان عدده لغاية القتال وتأديب أعداء الإسلام الماكرين به وبأهله سواءً انتهى الأمر بقتالٍ أم دون قتالٍ. [٥][٦] أحداث السنة الثانية للهجرة السنة الثانية للهجرة كانت حافلةً بالغزوات التي حقق فيها المسلمون انتصارًا على أعدائهم من المشركين واليهود والمنافقين المتحالفين مع كلا الطرفيْن سواءً بقتالٍ أم من دون قتالٍ كغزوة بدرٍ الأولى ثم الكبرى وغزوة بني سُليم وغزوة السويق وغزوة بني القينقاع وغزوة العشيرة، وفي هذه السنة تُوفّي الصحابي الجليل عثمان بن مظعون -رضي الله عنه-، وتزوج علي بن أبي طالب بفاطمة الزهراء -رضي الله عنهما-، وفيها أيضًا مات واحدٌ من رؤوس الكفر ألا وهو أُميّة بن عبد الله بن ربيعة والمعروف بأمية بن أبي الصلت.
شكرلوجدك معنا